سورة القمر - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


قوله تعالى: {إنَّ المجرمينَ في ضلالٍ وسُعُرٍ} في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن مشركي مكة جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُخاصِمونَ في القدَرَ، فنزلت هذه الآية إلى قوله: {خَلَقْناه بقَدَرٍ} انفرد بإخراجه مسلم من حديث أبي هريرة وروى أبو أُمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذه الآية نزلت في القَدَريَّة». والثاني: «أن أُسْقُف نَجران جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم فقال: يا محمد تزعُم أن المعاصي بقَدر، وليس كذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتم خُصَماءُ الله»، فنزلت: {إِن المجرمين} إلى قوله: {بقَدرٍ}، قاله عطاء.
قوله تعالى: {وسُعُرٍ} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: الجنون.
والثاني: العَناء، وقد ذكرناهما في صدر السورة.
والثالث: أنه نار تَسْتَعِرُ عليهم، قاله الضحاك.
فأمّا {سَقَر} فقال الزجّاج: هي اسم من أسماء جهنَّم لا ينصرف لأنها معرفة، وهي مؤنَّثة. وقرأت على شيخنا أبي منصور قال: سَقَر: اسم لنار الأخرة أعجميّ، ويقال: بل هو عربيّ، من قولهم: سَقَرَتْه الشمس: إذا أذابته، سمِّيتْ بذلك لأنها تُذيب الأجسام. وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جَمَع اللهُ الخلائق يوم القيامة أمر منادياً فنادى نداءً يسمعُه الأوَّلون والآخرون: أين خُصَماءُ اللهِ؟ فتقوم القَدريَّة، فيؤمر بهم إلى النار»، يقول الله تعالى: {ذُوقُوا مَسَّ سَقَر إنّا كُلَّ شيء خلقناه بقَدرٍ}، وإنما قيل لهم: «خُصَماء الله» لأنهم يُخاصمون في أنه لا يجوز أن يُقَدِّر المعصية على العَبْد ثم يعذِّبه عليها. وروى هشام بن حسان عن الحسن قال: واللهِ لو أنِّ قدريّاً صام حتى يصير كالحَبْل، ثم صلَّى حتى يصير كالوتر، ثم أخذ ظلماً وزُوراً حتى ذُبح بين الرُّكْن والمقام لكَبَّه اللهُ على وجهه في سَقَر {إنّا كُلَّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ}. وروى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ شيء بقدرٍ حتى العَجْزُ والكَيْسُ» وقال ابن عباس: كل شيء بقدرٍ حتى وضعُ يدك على خدِّك. وقال الزجّاج: معنى {بقَدَرٍ} أي: كل شيء خلقناه بقدرٍ مكتوبٍ في اللوح المحفوظ. قبل وقوعه، ونصب {كُلَّ شيءٍ} بفعل مضمر؛ المعنى: إنّا خلقنا كلَّ شيء خلقناه بقَدرٍ.
قوله تعالى: {وما أمْرُنا إلاّ واحدةٌ} قال الفراء: أي: إلاّ مرَّة واحدة، وكذلك قال مقاتل: مرَّة واحدة لا مثنوّية لها. وروى عطاء عن ابن عباس قال يريد: إِن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر. وقال ابن السائب: المعنى: وما أمرنا بمجيء الساعة في السُّرعة إلاّ كلَمْح البصر.
ومعنى اللَّمْح بالبصر: النَّظر بسرعة.
{ولقد أهلكْنا أشياعَكم} أي: أشباهكم ونُظَراءكم في الكُفر من الأمم الماضية {فهل من مُدَّكر} أي مُتَّعظ {وكل شيء فعلوه} يعني الأمم.
وفي {الزُّبُر} قولان:
أحدهما: أنه كُتُب الحَفَظة.
والثاني: اللَّوح المحفوظ.
{وكُلُّ صغيرٍ وكبيرٍ} أي: من الأعمال المتقدِّمة {مُسْتَطَرٌ} أي: مكتوب، قال ابن قتيبة: هو مُفْتَعَلٍ من سَطَرْتُ: إذا كتبت، وهو مثل مَسْطُور.
قوله تعالى: {في جَنّاتٍ ونَهَرٍ} قال الزجّاج: المعنى: في جنّات وأنهار، والاسم الواحد يَدلُّ على الجميع، فيجتزأ به من الجميع. أنشد سيبويه والخليل:
بِها جِيَفُ الْحَسْرَى فأَمّا عِظامُها *** فَبِيضٌ وأَمّا جِلْدُها فَصَلِيبُ
يريد: وأمّا جلودها، ومثله:
في حَلْقِكُم عَظْمٌ وقد شجينا ***
ومثله:
كُلُوا في نِصْفِ بَطْنِكُمُ تَعِيشُوا ***
وحكى ابن قتيبة عن الفراء أنه وُحِّد لأنه رأسُ آية، فقابل بالتوحيد رؤوس الآي، قال: ويقال: النَّهَر: الضِّياء والسَّعة، من قولك: أنْهَرْتُ الطعنة: إِذا وسَّعْتَها، قال قيس بن الخَطِيم يصف طعنة:
مَلَكْتُ بها كَفِّي فأَنْهَرْتُ فَتْقَهَا *** يَرَى قائمٌ مِنْ دُونِها ما وراءَها
أي: أوسعتُ فَتْقَها. قلت: وهذا قول الضحاك. وقرأ الأعمش {ونُهُرٍ}.
قوله تعالى: {في مَقْعَدِ صِدْقٍ} أي: مَجلِس حسن؛ وقد نبَّهْنا على هذا المعنى في قوله: {أنَّ لهم قَدَمَ صِدْقٍ} [يونس: 2] فأمّا المَلِيك، فقال الخطابي: المَلِيك: هو المالك، وبناء فَعِيل للمُبالغة في الوصف، ويكون المَلِيك بمعنى المَلِك، ومنه هذه الآية. والمُقْتَدِر مشروح في [الكهف: 45].

1 | 2 | 3